الخميس، 3 مارس 2022

 

 

مجزرة 07 ابريل 1947 بمدينة الدار البيضاء

ومسيرة الكفاح الوطني من اجل الاستقلال والوحدة

 

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

   السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير،

   السادة الأساتذة الأجلاء،

  السيدات والسادة رجال الحركة الوطنية والمقاومة والتحرير،

 

    يسعدني ان ألبي دعوة فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالدار البيضاء الحي المحمدي للمشاركة بهذه المداخلة المتواضعة والتي تحمل عنوان " مجزرة 07 ابريل 1947 بمدينة الدار البيضاء ومسيرة الكفاح الوطني من اجل الاستقلال والوحدة "ضمن أشغال الندوة الفكرية المنظمة حول موضوع " احداث 07 ابريل 1947 بمدينة الدار البيضاء: السياق والدلالات " المنظمة بمناسبة احياء الذكرى 74 للأحداث الدامية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء مهد المقاومة والتحرير في 07 ابريل من سنة 1947.

      ان تاريخ المغرب منذ سنة 1947 حافل بالأحداث والوقائع والمواقف والقرارات الحاسمة، كما انه حافل أيضا بمظاهر النجاح في اختيار توقيت مجالات التفاوض او التحدي والمواجهة. وتعد الزيارة التاريخية لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه الى طنجة في ابريل 1947مبادرة ذات أهمية سياسية استثنائية لاعتبارها نقطة تحول في تاريخ المغرب للحصول على الاستقلال.

       لقد خضع المغرب منذ سنة 1912 الى نظام الحماية الفرنسية التي ترتبت عنها حماية اسبانية بالشمال والجنوب بينما خضعت مدينة طنجة لنظام دولي خاص بها. وقاوم المغاربة هذا الغزو الأجنبي في السهول والجبال وخلفت المقاومة المسلحة مقاومة من نوع آخر على يد نخبة من الشباب خلال الثلاثينيات أخذت تتقدم بعرائض متوالية للمطالبة بالإصلاحات التي كانت ترى انه من الضروري إدخالها على نظام الحماية ليتحقق للمغرب ما يطمح اليه من تقدم وازدهار. لكن رد فعل السلطات الاستعمارية كان قاسيا حيث اتبعت سياسة القمع والتنكيل تجاه رجال الحركة الوطنية في المدن والقرى. وعقب ذلك ظروف الحرب العالمية الثانية وانهزام واحتلال فرنسا من طرف الجيوش الألمانية ولجوؤها الى أبناء المستعمرات لمساعدتها على التحرر ومقاومة الاحتلال. وفي سنة 1944 أعلنت الحركة الوطنية بتنسيق مع المغفور له محمد الخامس المطالبة بالاستقلال كشرط أساسي لتحقيق الإصلاحات التي طالما طالب بها المغاربة دون جدوى، لكن السلطات الاستعمارية، اختارت الرد على الموقف النضالي للوطنيين بحملات الاعتقال والنفي وإصدار الاحكام بالسجن في حق رجال الحركة الوطنية وفي حق عموم المواطنين.

       بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عرفت الأوضاع الدولية تطورات وتحولات عميقة فقد أنشئت منظمة الأمم المتحدة وتأسست الجامعة العربية وحصلت بعض الدول الاسيوية على الاستقلال. 

      ورغم ما تعرضت اليه الحركة الوطنية من قمع فقد استمرت في نضالها السياسي بتنسيق مع جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه. وفي هذا الصدد جاءت مبادرة السلطان بالقيام بزيارة لمدينة طنجة.                                          

      ويعد ما لقيته رغبة وتشبث جلالة المغفور له محمد الخامس في القيام بهذه الزيارة من معارضة شديدة من جهة العديد من الأطراف التي وضعت عراقيل شتى تسببت في تأجيلها مرة في سنة 1945 ومرتين في سنة 1946 دليلا واضحا على الخوف الذي اجتاح كل من فرنسا واسبانيا من حصول هذه الزيارة السلطانية وإصرار جلالة المغفور له محمد الخامس -رغم الضغوطات الكثيرة التي مورست عليه لثنيه عنها -على القيام بها لما لها من أهمية في سيرورة النضال الوطني من اجل الحرية والاستقلال.

      وفي ابريل 1947، ازداد اصرار وتمسك جلالة المغفور له محمد الخامس بالقيام بزيارة رسمية لطنجة الخاضعة للنظام الدولي. وبعد محادثات بين السلطان والإقامة العامة التي لم ترحب بفكرة الزيارة وبرمجتها، أصر السلطان على موقفه وبرمج هذه الرحلة في بداية شهر ابريل من سنة 1947.عند انتشار خبر هذه الزيارة، حاولت القوات الاستعمارية عرقلتها والحيلولة دون قيامها، لأنها أدركت ان هذه الزيارة لم تكن زيارة عادية بل كانت لها دلالة خاصة ترمز الى تأكيد الجذور التاريخية لهذه المدينة التي هي جزء من الإمبراطورية الشريفة رغم هيمنة المؤسسات الأجنبية على تسييرها والعزلة التي فرضتها عليها السلطات الاستعمارية.

      وبينما كان رجال الحركة الوطنية بمدينة الدار البيضاء يستعدون لإعطاء هذا الحدث ما يستحقه على المستويين الوطني والدولي، فإذا بهم يفاجؤون بأحداث المجزرة الدموية ليوم 07 ابريل 1947 والمعروفة في الذاكرة الشعبية بضربة سالكان، التي كانت منطقة بن امسيك ودرب الكبير وغيرها من احياء مدينة الدار البيضاء مسرحا لها ،بسبب شجار بسيط بين مغاربة وجنود سنغاليين مجندين في الجيش الاستعماري المرابط بالعاصمة الاقتصادية آنذاك والذي تحول خلال ساعات الى مذبحة، حيث أطلق الجنود السنغاليين رصاص رشاشاتهم على المواطنين المغاربة دون ان يتدخل رجال الشرطة وقوات حفظ النظام بالمدينة لإيقاف المجزرة التي ذهب ضحيتها المئات من القتلى والجرحى والمعتقلين.

      وعلى إثر هذه الأحداث، أضربت ساكنة مدينة الدار البيضاء مدة ثلاثة أيام، وقامت مظاهرات عنيفة في جميع المدن المغربية التي أعلنت الحداد على ضحايا مأساة الدار البيضاء وطالبت بمحاكمة مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء.

     ورغم الحزن الشديد لجلالة المغفور له محمد الخامس لما حدث، إلا ان ذلك لم يثن عزمه عن القيام بالرحلة التي برمجها، فبعد قيامه بالزيارة الملكية لمكان الحادث والترحم على الشهداء ومواساته للجرحى في المستشفيات ولأسر الضحايا، سافر جلالة المغفور له محمد الخامس الى مدينة طنجة وألقى خطابه التاريخي من حدائق المندوبية بطنجة معلنا مطالبة المغرب بالاستقلال التام. ومن النتائج المباشرة لهذه الزيارة التاريخية لمدينة طنجة، انها قلبت حسابات الإدارة الفرنسية وفضحت سياستها بالمغرب على الصعيد العالمي ودخلت كلمة الاستقلال المصطلح السياسي المغربي، واتخذ عمل الحركة الوطنية دينامية جديدة من اجل السير في طريق التحرر من قيود الاحتلال الأجنبي وتحقيق الحرية والاستقلال.